جامع أبي الحسن البسيوي
د. سعيد بن سليمان الوائلي - كلية العلوم الشرعية -
إذا تصورنا أن لأحد من العمانيين من العلم والدور ما يبرز في صورة كتب ومؤلفات، فإن ذلك ليس من الأمور المنكرة، لأن من الطبيعي أن يكون لهذه الأرض من بلاد الله تعالى مدرسة فكرية بارزة بعلمائها وطلبتها ورواد فكرها، كيف لا؟! وقد ظهر رواد الفكر فيها منذ القرون الأولى من الهجرة النبوية المباركة. ومن الكتب العمانية التي اهتمت بجانب العقيدة الإسلامية كتاب جامع أبي الحسن البسيوي، وسنتعرف على هذا الكتاب وصاحبه بصورة مختصرة، لتحمل في الذهن تصورا عنه.
فصاحب جامع أبي الحسن البسيوي هو: علي بن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسن، يكنّى: بأبي الحسن، واشتهر بالبسيويّ أو البسياني، نسبة إلى بلدته بسيا، وهي قرية تقع في ولاية بهلا بالمنطقة الداخلية من عمان. وهذه الشهرة غلبت عليه وتميز بها عن غيره، فإذا ذكرت لم ينصرف الذهن إلى غيره. ويعدّ البسيويّ من علماء القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، حيث إن من أبرز الشخصيات الّتي عاصرها: شيخه أبو محمّد ابن بركة، وأبو سعيد الكدمي.
وكانت لأبي الحسن البسيويّ مكانة علمية بارزة، تشهد بذلك آثاره الاجتماعية الّتي لا تخفى، حيث كان محلاً للفتوى ومصدراً للإرشاد الدّيني، ومما يظهر مكانته، موقفه من بعض الأمور السياسية بما أعلنه في الإجابة عن إمامة حفص بن راشد، وفي سيرته المسماة: سيرة الحجة على من أبطل السؤال عن الحدث الواقع بعمان. ومما يؤكد تلك المكانة العلمية، أن كتابه «المختصر» كان معتمد العلماء في الفتوى والأحكام حتّى القرن التاسع/الخامس عشر.
أما كتاب الجامع للعلامة البسيوي: فأعرض هنا أهم المسائل الّتي احتوى عليها فيما يتعلق بأصول الدين وعلم العقيدة، حيث كان في الجزء الأول: بعد مقدمة المحقق، بدأ الكتاب بمقدمة للمؤلف، ثمّ شرع في الموضوع الأول بعنوان “كتاب التوحيد” ابتدأه بمسألة المعرفة بالله تعالى، وذكر فيه صفات الله وبعض معانيها. ومن أهم القضايا الّتي عالجها الكتاب: مسألة الرؤية، ومعنى الاستواء، واختلاف الناس في صفات الله، ومسائل الولاية والبراءة، وخلق الأفعال، والإرادة، والقضاء والقدر، ومعنى الاستطاعة، والإيمان والإسلام، ثمّ ختم كتاب التوحيد بمسألة عنوانها “الالتزام بتعريفات القرآن للأشياء والخلق”. ويتضح من خلال الاستعراض السابق والنظر لأهم مباحث جامع البسيويّ، أنه كتاب حافل بقضايا كثيرة في مجالات متعددة، وهو مشتمل على مواضيع في العقيدة والفقه والمعاملات والأخلاق. وقد عالج البسيويّ هذه القضايا في جامعه بأسلوب يتسم بالوضوح والسلاسة، في سبك الكلمات ومعانيها، ويلاحظ في عرضه ومناقشته لها مقدرته على التوضيح والبيان باستيعاب مع إيجاز، فلا إسهاب ممل ولا اختصار مخل. لأجل ذلك وصفه صاحب “إتحاف الأعيان” بقوله: “صاحب التصانيف المفيدة الّتي تمتاز بحسن السبك ورقة الأسلوب ووضوح المعنى”.
ولما كانت أصول الدّين من العلوم الّتي تتعلق بالقرآن وآياته، وسواء من حيث ورود بعض الآيات في إثبات أمور العقيدة، أو من حيث إنّ كل طائفة من المذاهب الإسلامية تحتج بآياته وتستدل بها في إثبات رأيها، فإن عالما كالبسيويّ من الطبيعي أن يوليها اهتمامه وعنايته، فيستدل على مسائل العقيدة بالآيات القرآنية الّتي وردت فيها، منطلقاً من تصوراته الإيمانية الّتي اقتنع بها، وهو يحمل في ذلك عقيدة وفكرا عن علم ودراية. ومن أهم مباحث الإلهيات الّتي أولاها البسيويّ عنايته: مسألة الاستدلال على وجود الله، والصفات الإلهية، بجانب تأويل الآيات المتشابهة. وقد عرض الشيخ البسيويّ هذه المسألة باختصار، حيث لم يخرج فيها عن الاستدلال على وجود الله بآثار صنعه ودلائل خلقه وقدرته، وكذلك نجد أهل التفسير لا يفوتهم ذلك عندما يمرّون بالآيات الّتي تذكر فيها دلائل القدرة وإبداع صنع الله. من أمثلة ذلك: يقول في أول ما افترضه الله على عباده المكلفين: “ فأول ذلك المعرفة به، أنه لهم خالق ورازق، على وجه الفكرة والنظر والاعتبار. إلا أنّ الله تعالى ليس بمشاهد ولا مرئي ولا محسوس، ولكن بالشواهد يستدل عليه الإنسان... وفي كتاب الله ما قد بيّن وعرف أنبياءه [هكذا وما دلت عليه آياته، وبيّن أنه حجة يستدل بها عليه مما لا يحتمله كتابي في رقعتي هذه لو عددته، وبذلك دلت عليه الآيات فيما ذكرت”.